shape
shape
shape

تدوينة تهتم بالمعنى لا بالهيكلة و تخالف قواعد الكتابة

 

عن حب الذات

 

  • الجزء الأول :عملة الشجعان

 

 

تدوينة عن حب الذات ليست بالأمر الهين خصوصا إذا ما أردنا أن ننفذ إلى عمق دهاليزه الوعرة، لنكشف جديدا محتملا نتأمل من خلاله واقعنا مع ذواتنا و صنيعتنا مع أنفسنا. أتعرض أولاً إلى النفس البشرية مقرونة بمفهوم الذات و هنا استقي من الشيخ الرئيس ابن سينا  الكثير من عمق المعنى لتفسيراته عن النفس البشرية مع ذكر تفاسير للغزالي كما أُتوقف عند مفهوم الذات قبل الإنطلاق نحو حب الذات.

حب الذات هي رحلة و ليست نقطة نهاية، ليست محطة أخيرة لطريق ما كأن معالمها و شروطها معروفة سلفا، بل هي رحلة حياة تتجلى في اكتشاف الذات من خلال الإنجاز و التفاعل الداخلي الذي ينشأ و نحن نبحث عن الأفضل لنا، هي رحلة الشجعان و رحلة المريدين الذين فهموا سبب الوجود و أرادوا من خلاله أن يلتزموا بالتقدم في الحياة و هذا لا يتم إلا عبر حب الذات،كل نجاح هو خطوة في ممشى حب الذات إلى أن تبلور ذاتيتنا مفهومها الخاص الذي يواتي روحها.

 

التعاريف كثيرة و كل واحدة منها تتفرع أطياف من التفسيرات لتكون على مقاس كل واحد منا في هذه الدنيا، فما يجعلني أنا محبا لذاتي و يشعرني بالدفىء العاطفي لشخصي، ليس ما تمليه عليك أنت نفسك وتطلبه منك روحك لتشعر بالتشبع من ذاتك فتصبح أقوى و أوفر صحة (نفسية) لتعيش بسعادة أكبر، طريق حب الذات هو ممشى لا ينتهي و محج تلقى فيه من جائهم هاتف الإله بضرورة البحث عن الذات و لا ذات بدون حب.

  كل الناس سمعت عن حب الذات إنما القليل من وصل لعمق المعنى ،و لكي نستطيع الحديث عن هذا الموضوع لابد أولا أن نعَرف ما هي الذات و قبلاً جذرها الأساس النفس، المحرك. 

يشرح ابن سينا أن النفس من جوهر بسيط روحاني مستقل و متميز بشكل كامل عن جوهر الجسد المادي بمعنى أن طبيعة النفس تختلف عن طبيعة البدن و يعتقد ابن سينا أن النفس هي مصدر الحياة للجسد فلولا حلول النفس في الجسد لما كانت هناك حياة و يعتقد أيضا بأن النفس هي مصدر الحركة للجسد و هي مصدر التفكير وكل العمليات الذهنية و طبعا مصدر الإدراك و الوعي كما يعتقد أن النفس لا تموت بموت البدن بل خالدة لا يجوز عليها لا الفناء و لا العدم ،الإنسان عند ابن سينا نفسٌ قبل أن يكون جسَد.

بالنسبة لحجة الإسلام أبو حامد الغزالي قال و شرح أساسا ما جاء به ابن سينا في هذا المحور، فرد عليه في كتابه الشهير تهافت الفلاسفة، مع بعض الإضافات والشروح التي أدخلها الغزالي يرى أن النفس مصدر القوة و الحياة والحركة و أن النفس ليست الجسم و أن الحركة من النفس كما يعتقد أنها خالدة بعد موت الجسد، في كتابه إحياء علوم الدين فرََقَ فيه بين النفس،الروح،القلب والعقل فجعل من مما سبق جوهر ذات الإنسان.

النفس هي المحرك للذات و الذات هي تكوينك الحالي الذي خلقك الله عليه بكل تفاصيله فريد و وحيد، من صنع الخالق.الذات هي المصطلح الإنساني لما نحن عليه حقا كأشخاص، هي شخصيتنا الداخلية النفسية التي تتأثر بالتجارب الإجتماعية، النفسية، الأمنية و الفسيولوجية بمعنى أن الذات تتكون من النفس +الروح +البدن. هي الإدراك الكامل و التام لما نحن عليه وما لنَا فيه،و لمَا هو حولنا، من أول نقطة إدراك في الطفولة إلى يومنا هذا، الهوية النهائية لشخوصنا وكينونتنا الداخلية و الخارجية. 

تخيل مما سبق شرحه… دقة الصنعة، هول التفاصيل التي خلقت منها، أنتَ الروعة.. تخيل التفاصيل التي أنتَ نتيجتها و أنك الهدية الكبيرة، نفخَ فيك من روحه… تخيَل أنك ذلك المخلوق المذهل الذي يعيش بالنفحة الربانية، ذلك المخلوق الذي سُخرت له كل الوسائل الدنيوية.. هنا يجب أن نقف قليلا.. لتفكر في نفسك كقيمة أساسية جوهرها غير قابل للإستبدال و لا للتقييم المادي، نقف قليلا امتناناً لخالقنا،شكرا و عرفانا لهذا الوجود الفتاك، لسحر الكيان و مجد الروح،…أنتَ.

  • هل تستشعر معي روعة الباطن؟
  • قوة الإنسان؟
  • عُمق استشعارك و امتنانك يساوي مقدار عمق حبك لذاتك.
  • المحب لذاته لا يتعامل مع نفسه بطريقة:

أنَا غير مستحق لأن أكون الأول،

أتَحمل علاقة غير جيدة،

أبقى في الصداقات التي لا تخدمني،

أتَحمل تحت مسمى الصبر!!

 

الصبر؟؟

الصبر ليس معناه السكون أو الإستسلام 

الصبر سلاحُ الراغب في التطور أثناء عملية التغيير،

السكوت على وضع لا يخدمنا خنوع، استسلام و ضعف شخصية.

و في المقابل تفعيل القدرة على التغيير تبدأ من قدرتنا على تحويل الأشياء الصغيرة السلبية إلى إيجابية كخطوة أولى،يكون كتمرين يومي و مقدمة لتغيير المواضيع الكبيرة.

لمس الجروح الذاتية الداخلية لمداواتها رغم الألم، هذا صبر، و التعامل معها عن طريق المسكنات و وهم التبرير  بالبقاء في وضعيات تسىء لنا هذا منافي لحب الذات.

 

عندما تحب ذاتك فعلا فأنت تحترم صَنعتها بكل ما فيها تجعلها أفضل و أسمى، أهم و أمتن، عندما تحب ذاتك ستفكر أكثر من مرًة قبل أن تُدخل شخصاً لحياتكَ ستُفكر ملياً قبل أن تعطي فرصة ثانية، قبل أن تبقى في علاقة مليئة بالسُمية بدعوى الحب، سيكون غير مسموح للآخر بإيذاء ذاتك الحبيبة،تكوينك الإلهي و رفيقة حياتك،وأنت قوي بحبك لنفسك من المستحيل أن تجعل من الحب السام القادم من الآخر عصاةً تسحق بها ذاتك! عندَ بقائك مع شخص لا يحترمك فأنتَ تدوس على ذاتك،رسالتك لها :”عفوا يعني إنما أنت لست مهمة كفاية “.

عندنا تُضيع الوقت على التفاهات و تٌضيع يومك فيما لا يفيد، فأنت لا تحب ذاتك، لا تحترمها ،بل لا تحترم عُملة الذات التي لا تقدر بثمن وهي الوقت و كأنك تقول لها “أنتظري حتى الختام و حتى تحين لحظة الرحيل فليس لك قيمة و أنا لا أود استغلال وقتك بشكل مُجدي..”

مع التقدم في العمر، تظهر التجاعيد و يبدأ الشََيب، يعكس انعكاس وجهكَ حالةٌ منَ الإنكماش عندما تنظُر في المراة غير راض عن الشكل الجديد،في تلك اللحظة إذا تمنيت الرجوع إلى الوراء،و هذا عكس إكسير الحياة، كشرط للإنسجام التام مع الداخل.. في هذا السياق فأنت تُحب بشرط و الحب المشروط حبُ معدوم.

 

يتبع …..

 

 

شارك مع الآخرين

تعليقات المستخدم2

  • Samir
    دجنبر 24, 2023

    مقال مستفيض في عملة ذات وجهين لايمكن لأحدهما ان يطغى بظهوره على الآخر
    فأن تناقص حبنا لذواتنا تناقصت معه باقي المشاعر التي تبقينا متمسكين بالحياة نفسها
    وان زاد زادات معه الأنا وتعاظمت معه مشاعر الكبر والغرور وفقد الأنسان احساسه بمشاعر من سواه.
    تحياتي أ ليلى على المقال والأسلوب السلس الرشيق في تناول موضوعه

    رد
    • ليلى
      دجنبر 25, 2023

      شكرا سمير لتعليقك

      رد

أضف تعليقاً