shape
shape
shape

في هذه التدوينة أتحدث عن”حضارة الهجر” التي يؤسس لها الآن لإثبات التفوق النفسي الفردي، لعدم القدرة على التوافق (أو بمعنى أصح التوافق الأمومي …..أصبح البعض يريد شريك بطاقة الأم تتحمله بكل ما فيه و بالمقابل لا يريد أن يرى منها وفيها ما يغضبه،….و هذا من قصص الخيال ). للكسل عن إعطاء فرصة للحالة العاطفية المعاشة، و عيشها بكل تجلياتها، بل الدارج الآن هي علاقة معلبة لا توجع الراس، و لا تحي الروح.

تجدر الإشارة أن هذا المنشور يخص العلاقات الواعية، وليس العلاقات التي فيها توافقات اجتماعية/اقتصادية وهي الأغلبية.

المشهد الأول:

لنهجر شخص لابد و أن نصاحبه روحيا أولا. (لا هجر في العلاقات الغير الدائمة و التي فيها اجتماع على مصلحة ما، كالعمل، علاقات الشراكات المادية المختلفة، مشاطرة الهوايات مع الغير ….هذه علاقات لا هجر فيها لأنه لا صحبة روحية فيها، بل وجودها بالأساس يعتمد على وجود مصلحة مادية، إنما يكون فيها الإبتعاد)و الصحبة الروحية تكون مع الدائرة القريبة …العائلة….الأصدقاء…والحبيب. فأما العائلة فلا هجر ممكن فيها بل تغييب لضرورة حتمية موت أو الإبتعاد لخصام أو أذى حاصل أومحتمل، هنا نبعد الشخص و نبتعد عنه لكنه فينا و منا.(علاقات الدم).

و هناك الصديق و هو من تألفه الروح، الرفيق و الصاحب تقوله له خيرك و شرك ،متقبل لك ،لا يأبه لملاءكيتك و لا يريدك أن تثبتها له، هو الشخص الذي تشترك معه في مستوى عميق من الفهم و التواصل وهي أكثر العلاقات شفافية، وفي حقيقة الأمر غالبا ما تفوز علاقة الصداقة عن غيرها من العلاقات لأنها تسمح للآخر أن يعيش حقيقته. وتشتق كلمة الصداقة من الصدق، وهو خلاف الكذب، والكذب باطل في أصله و الصدق جدوى في باطنه.

وهناك العلاقات العاطفية بين المرأة و الرجل، في قاموس العاطفية الروحية، لا وجود لعلاقة مستمرة بدون “توافق و تنازل” بين الطرفين، بدون التعري تماما عن الملاءكية المزيفة أمام الآخر، بدون فهم أنها علاقة معيارية، يدخلها الإنسان و يستثمر فيها لأنها توافق معاييره الخاصة، قوالبه الفكرية، أسسه، و هذا محمود، بل لازم لعلاقة صحيحة و بديعة (مهما ادعى الإنسان أنه لا يحكم على الآخر فهو يحكم عليه بينه و بين نفسه، و مهما ادعى أن الإختلاف لا يفسد العلاقة و أن هنآك علاقات تعيش مع اختلاف هائل بين طرفيها، فإن الإختلاف الكبير و المستمر، يخلق جدار داخلي في مقابل الآخر بدون وعيه من الإنسان نفسه……، إلا أنه في النقطة الحاسمة!! سيختار..! و عندما يختار سيكون اليته معيارية بحثة وفقا لقواعد تفكيره و طبيعته و ما يوافقه، لا يصمد الحب أمام اختلاف الأسس البينية) الإنسان معياري فلننتهي من هذه النقطة.

إذن، إلى هنا البداية المبشرة في توافقية المبادىء ،توافقة في القيم ،توافقية الشعور الجيد (التوافق في الأسس الحياتية يؤدي بالضرورة للشعور الجيد تجاه الاخر). لنبدأ بعدها بممارسة هذه التوافقات النفسية والفكرية كثنائي على الأرض، وهنا سنقترب من الآخر خطوة /خطوات أخرى اتجاهه و كلما اقتربنا أكثر من الاخر ….ماذا ؟ ….نرى أوضح…. و ماذا يحصل بعدها؟ …نلحظ النواقص ….. و في هذه النقطة بالذات تبدأ أول الشكوك….. إما نستعمل نضوج العاطفة و نثريت أو نستعمل “حضارة الهجر” لعدم كفاية أدلة البقاء.

المشهد الثاني

“اهجر من يؤذيك” وليس لعدم كفاية أدلة التوافق.                

ضد الهجر التشبت. عوض الهجر لعدم كفاية أدلة التوافق، علينا طرح الأسئلة التالية:- لماذا اتخلى ؟ -هل هذه العلاقة تأخد مني ؟  -هل تضيف إلي؟ و ما الذي تضيفه؟ -هل وجودها دائما حافز ،أم حائل؟ -هل ذلك الشخص لذاته قيمة لي (بغض النظر عن نواصقه والتي هي مرآة لنواقصك)؟ -هل هو جيد في الصورة الكبيرة؟ -هل هو جيد في الصورة الصغيرة؟ -هل خسارته مثل الإبقاء عليه (بغض النظر عن نواقصه)؟ -هل يسد حاجة لي؟

المشهد الثالث

-سياسة الاستغناء: بعد أن يضرب الإنسان أسداس في أخماس و يرى أن الأمر صعب و لا طاقة له على الجهاد فيه، يبلور هنا هذا الشخص آلية دفاعية جاهزة لطرد الاخر من حياته عبر سياسة الاستغناء، تجعله ينجو من الخيبة مسبقا، من الخذلان المحتمل ، عبر سيناريو متخيل حسب ما اسنتج من معطيات، طبعا هنا هو غير جاهز لا للتأني و لا للتأكد من أية تفصيلة لعدم كفاية أدلة التوافق، كل ما يريده هو الخروج من هذه العلاقة. وقد يكون أيضا هذا الاستغناء نوع من التعفف و استباق للأحداث، يفعلها في كل مرة، يسبق الاخر بخطوة لكن في الاتجاه المعاكس و هو اتجاه الهجر، مع الوقت يتعود على الاستغناء و تجده بدون علاقات، هو شخص مرغوب لكن تكتيكه يخرب علاقاته. هذه المعاكسة في رؤية الأمور جذرها الحرمان من الشيء المستغنى عنه (هؤلاء الناس أقوياء إلا أنهم تعساء برغبة منهم). و هناك استغناء المتمرد على لطف الشريك (و هذا الشخص قليل الاستحقاق). كلها استراتيجيات دفاعية نفسية و في هذه الاستراتيجيات عوض الحديث مع الآخر لفهم أصل الأمر، يفضل هجره و التخلي كلية عن الأمر مهما كان الشعور.

المشهد الرابع

أحيانا نفارق أناس و تحدث لنا مع مفارقتهم هزة داخلية،هؤلاء الناس لم نر منهم إلا الخير، بل السعادة و الفرح كانت على أيديهم، و في ملقاهم إحساس الأمان و العافية، هذا الفراغ يؤثر فينا كثيرا و نتألم منه أيضا، مع إحساس بالفقد، فمكانهم لا يملؤه غيرهم و ذلك لأنهم يمثلون أجمل مافينا، لأنهم يذكروننا بأسمى معانينا، لأنهم ملؤا الخزان الفارغ لدينا ،خزان الشيء الجيد فينا، إنما هجرناهم لأن فيهم نقصا كأننا كاملين، أو لوجود شيء مزعج كأننا الهمسة على الأرض، نظرتنا إليهم تكون بعبودية فكرية (أن يكون خطه مستقيم كما أريد وهذا حتى أكون معه) نتركهم لأننا “جامدين” و سنجد حتما الأفضل…..هذا ممكن …..لكن ما هو الأفضل؟ من توافقت معه، و تدللت على إنسانيته، أم من سيطلق عليك ثوب الحكمة ويخفي ثوب الشيطان، و هو بهذا يتمثل بملاءكية مستحيلة ظاهرا و باطنا……

لهذا ننجذب للناس التي تشبهنا من الداخل، وننفر من الذين لا يشبهون الجزء العميق فينا، من يلامس سلكا روحيا فينا لطالما كان غير مرىء للعابرين، هجرة هؤلاء الناس هو ما يعرضنا لزلزال داخلي ليس في لحظة حدوثه بل بعد حدوث الهجر، خصوصا و نحن السبب الرئيس له.

تنويه: الشعور شيء مقدس و هو يؤلم صاحبه لذا تأذى، لا تكابر و تجعل الأنفة تخسرك الشعور الرائع، فقط لأنك رأيت طيفا صغيرا من الإنسانية في الآخر لم يعجبك، أو تريد إثباتا لذات أنك مستغني على العالمين و عن كل شيء، هجر من تريده و ترى فيه إمكانية للسعادة هو ضد مصلحتك أنت، لأنك هنا تؤذي شعورك أنت، تجهد نفسك و تحملها ما لا طاقة لها بها، أنت تصعب عليك التشافي ز و الرجوع و فهم المحيط و الحالة الصح. هذا لا يعني ان لا نهجر، بل نفعل لكن متى ؟ و بأية طريقة؟

يتبع…..

دمتم.

 

 

 

شارك مع الآخرين

تعليق1

أضف تعليقاً