shape
shape
shape

الحياة ديناميكية

 

 

الإنسان خُلق ليكون في حالة مستمرة من النمو والتغيير، والركود يؤدي إلى حالة من العزلة عن تدفق الحياة.

 

 

الحياة ديناميكية، تتدفق كما الأنهار، تتغير كما الفصول، تتجدد كما الفجر حين يبزغ كل صباح. في هذه الحركة الأبدية تكمن الحياة الحقيقية، حيث نجد أن كل لحظة هي ولادة جديدة، وكل تجربة هي فرصة للتجدد والنمو. لا شيء يبقى ثابتًا في هذا الكون الواسع، فحتى النجوم التي تبدو بعيدة ومستقرة، تولد وتذبل في مسارها.

نحن جزء من هذا النسيج الكوني المتحرك، أرواحنا خُلقت لتتفاعل مع تحولات الحياة. في كل تغيير نمر به، هناك رسالة روحية تدعونا للانفتاح والتقبل. قد نختبر الحزن، الفرح، الفقدان، أو الإنجاز، لكن كل هذه التجارب هي وسائل للنمو الداخلي، للعودة إلى جوهرنا الحقيقي.

الحياة ليست ثابتة ولا صلبة؛ هي دعوة مستمرة للاستجابة، للتكيف، وللسير مع التيار. في كل لحظة، نحن مدعوون لإعادة اكتشاف أنفسنا، للتأمل في أعماق الروح، ولنترك ما قد يثقلنا من الماضي. التغيير ليس عدوًا، بل هو المعلم الذي يرشدنا نحو النسخة الأصفى من ذواتنا.

التسليم لهذا التدفق هو الطريق إلى السلام الداخلي. عندما نسمح لأنفسنا بأن نكون جزءًا من هذه الحركة الكونية، نتجاوز الخوف، ونتحرر من قيود الماضي. نُدرك أن لكل تجربة حكمة، ولكل خطوة في هذا المسار معنى عميق.

الحياة ديناميكية، ونحن أرواح مخلوقة للنمو والارتقاء. وبما أننا جزء من الكون الفسيح، والإنسان ابنه البار، فإن ما يسري على قوانين الكون يسري علينا أيضًا. فقد خلقنا كمخلوقات تطورية، خُلقنا لأجل النمو! ومن لا يفهم هذه القاعدة لا يستطيع أن يسعد؛ ومن يختار لنفسه وللآخرين الجمود، سيجد نفسه محاصرًا في حلقة من الركود، حيث تتحرك الحياة من حوله بينما يظل عالقًا في مكانه، عاجزًا عن مواكبة التحولات والتجديد.

 

لا نستطيع أن نكون ضد تيار الحياة، ومن نواميسها الحركة والنمو والسير مع التيار.

معرفة ديناميكية الحياة ستجعلك مترفعًا عن ألم التعلم، مترفعًا عن السقوط، مترفعًا عن التضحية بذاتك. لأن ديناميكية النمو وما يصاحبها من تعلم لها مسطرة خاصة بها ومنهج، ومعناها أنك عرضة للسقوط، دائم الحركة، كثير التعرف على الناس، وبالتالي أكثر خبرة وأعمق فهمًا للبواطن. ومع كثرة الجروح، تصبح أقوى في الجذور، مما يُكوّن شخصية صلبة ويترك إرثًا إنسانيًا كبيرًا. وبما أن الإبداع صفة إنسانية (فكل إنسان مبدع)، إلا أنه شخصي ويخضع للبصمة الروحية لكل فرد. والبصمة الإبداعية للشخص المتحرك ليست كبصمة الساكن.

لهذا نجد المبدعين والكتّاب والفلاسفة والمفكرين تُلقي بهم الحياة في مسارات غير ثابتة، مليئة بالأقدار المتحركة وغير الراكدة؛ فقد يختبرون الفقد، أو يخوضون زواجات عديدة، أو يعانون الخذلان، أو يواجهون طعن القريب، أو يعيشون عزوبية طويلة، أو يمرون بخيبات في السفر. إنها تلك الحركة التي تنشئ البصمة الإنسانية والإرث الإبداعي الخاص بالفرد.

وكما قال أبو القاسم الشابي:

 

ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.

 

 

وعيك هو الناتج الذي يقودك إلى التغيير. عن طريق الحركة المستمرة يحدث الاحتكاك، ومن هذا الاخير تولد الشرارة، ومن تلك الشرارة تولد تجربة جديدة تؤدي إلى وعي جديد، فإنسان جديد، فواقع جديد.

وهكذا، مع كل خطوة تأخذها، ومع كل احتكاك تواجهه، تنشأ نتيجة تفتح لك بابًا جديدًا من الفهم. هذه النتيجة تساهم في بناء وعي جديد، وعي أكثر نضجًا وعمقًا. فالتغيير الحقيقي لا يحدث في فراغ، بل يتولد من تفاعل مستمر بينك وبين العالم من حولك. وكلما تحركت أكثر، زاد وعيك، وازدادت قدرتك على التحول والنمو.

التغيير الذاتي ليس هدفًا في حد ذاته، بل هو الديناميكية اللازمة لسير الحياة نحو مرافق أفضل. التغيير ينشأ تلقائيًا بعد دورة الحركة، فهو عملية تنبع من أعماق الروح والفكر كنتيجة للتجربة. لا يمكن فرضه من الخارج أو توقعه بناءً على رغبات الآخرين، بل هو تحول ينشأ من قناعة وإرادة داخلية، تنبع من الرغبة الشخصية في النمو والتطور.

عندما يكون التغيير مفروضًا من الخارج أو نابعًا من إكراه، فإنه لا يكون أصيلًا أو مستدامًا، بل يكون سطحيًا ومحددًا بأهداف معينة. هذا التغيير المفروض قد يبدو متملقًا ومؤقتًا، حيث لا ينبع من جوهر الإنسان ورغبته الحقيقية في التحول. أما التغيير الذي ينشأ من الداخل، فهو عميق ومستمر، لأنه قائم على تجربة ذاتية وفهم عميق لضرورة النمو.

الرغبة في التغيير هي الشرارة التي تُشعل التحول الحقيقي، وهي نابعة من التجارب الشخصية والتأمل الذاتي. لذا، التغيير الفعّال لا يمكن تحقيقه بالقوة أو الإصرار على الآخرين ليصبحوا ما نريدهم أن يكونوا، بل يأتي عندما يدرك الفرد بنفسه ضرورة التحول ويختار السير في هذا الطريق بإرادته الحرة. وبذلك ننتقل للعلاقات وما يعتريها من خلل لأننا نهمل هذه التفصيلة المهمة جدًا في اختيار الشريك، لأننا نسهو عن التفكير في المعاني الروحية. وحتى إذا تجاوزنا اللامادي، فإننا لا نلبث أن نتحدث عن الحب والإعجاب، وننسى ترسانة الأسس المعنوية الأخرى وهي في الحقيقة الأعمدة اللازمة لدوام العشرة.

 

فنجد..

 

 

 

1. الشريك الراكد:

الشريك الراكد هو الشخص الذي يعتقد أن النسخة التي عرفها لأول مرة من شريكه هي النسخة النهائية، ولا يتوقع منه أي تغير أو تطور مع مرور الوقت. هذا التصور يتجاهل الطبيعة الإنسانية التي تعتمد على النمو والتطور المستمر، سواء على المستوى الشخصي أو العاطفي أو الفكري. في هذا السياق، نجد أن العلاقة تُصبح غير متوازنة، حيث يظل الراكد يتعامل مع شريكه وكأنه لا يتغير، غير مدرك لتحولاته الداخلية أو الخارجية. هذا الجمود قد يؤدي إلى فجوة بين الشريكين، لأن التوقعات التي وُضعت في البداية لم تعد تلائم الشخص الذي تغير وتطور بمرور الزمن.

2. الشريك المتغير:

من الجانب الآخر، الشريك المتغير قد يعيش تجربته الخاصة في التحول الشخصي والنمو. لكن هنا يأتي العتب، لأنه قد يتوقع من الطرف الآخر أن يتغير بالوتيرة نفسها. هذا التوقع قد يكون غير عادل، لأنه يفترض أن جميع الأفراد يجب أن يخوضوا نفس مسار التغيير، وهو أمر غير واقعي. ليس كل شخص مستعدًا للتغيير، وليس كل تغيير يحدث في نفس الوقت أو بطريقة متشابهة. إن التغيير مسار فردي نابع من تجربة شخصية، ولا يمكن فرضه على الآخرين. العلاقة التي يحاول فيها أحد الشريكين فرض تغيراته على الآخر قد تفقد توازنها بسبب عدم مراعاة خصوصية كل فرد في رحلته الخاصة.

3. الجامد والحركي:

الشريك الجامد قد يجد نفسه مرتبطًا بشخص متحرك وديناميكي، ومع ذلك يعتقد أنه لن يتغير أبدًا، وكأنه قد وصل إلى النسخة النهائية من نفسه. هذه الفكرة تحمل نوعًا من الوهم، لأن الحياة في حد ذاتها مليئة بالتحولات والتغيرات التي لا يمكن إنكارها. الشريك الذي يعتقد أنه لن يتغير بعد اليوم قد يواجه صعوبة في التكيف مع التغيرات التي يمر بها شريكه الحركي، مما يؤدي إلى نوع من الصراع الداخلي في العلاقة.

4. الأمل بالتغيير:

في المقابل، قد يكون الشريك المتحرك على أمل أن الجامد سيتغير في يوم من الأيام. هنا يأتي العتب على الشخص المتحرك، الذي يقبل شريكًا جامدًا على أساس فكرة “التغيير المستقبلي”. في حين أن التغيير لا يأتي بالإكراه أو الأمل وحده، بل يجب أن ينبع من رغبة ذاتية وإرادة صادقة من الشخص نفسه. إذا اعتمد المتحرك على هذه الفكرة وانتظر تغييرًا لن يأتي، فإنه قد يجد نفسه في علاقة غير مرضية على المدى الطويل. التغيير الحقيقي لا يحدث إلا إذا كان هناك دافع شخصي ورغبة حقيقية في التحول، وليس مجرد استجابة لتوقعات أو ضغوط من الطرف الآخر.

 

يتبع

شارك مع الآخرين

أضف تعليقاً