shape
shape
shape

 

مصيدة الفرنكوفونية و ملاذ الانجلوفونية

فرنسا/اللوفر

تجربة الفرد مع الفلسفة تعتبر رحلة مليئة بالاكتشافات والتحولات الفكرية. لقد وجدت نفسي في حالة من الانبهار عندما انغمست في الفكر الفرنكوفوني، بسبب تدريس اللغة الفرنسية في المدارس. كانت هذه اللغة نافذتنا على العالم الآخر، التي جعلتنا نطل من فوق أسوار الثقافة العربية والإسلامية والوطنية والذاتية. تزايد الانبهار عندما وجدت نفسي محاطة بالفرنسية في كل جانب من جوانب الحياة؛ في الثقافة، والتعليم، والإعلام. كانت تُرفع هذه اللغة إلى مكانة عالية، بينما تُحط من قدر وأهمية أي لغة أخرى بجانبها. فكرتُ، لا بد أن تكون أفكارها قوية ومتينة فكرياً، فاندفعت مستمتعة بما كتبه الفلاسفة الفرنسيون من أفكار ومفاهيم. كانت أعمالهم، مثل أعمال فولتير وفلوبير وغي دو موباسان وجول فيرن، تبني عالماً من الكلمات، عالماً محكم التنظيم، مما جعلني أعيش حالة من الإعجاب العميق والتقدير.

كان هذا العالم ممتلئاً بالأناقة الفكرية والتعقيد، مما جعلني أشعر وكأنني محامية لهذه اللغة والثقافة، أدافع عنها بوعي أو بدون وعي، لأنها كانت نافذتي إلى الآخر المختلف، الواعي، والمتقدم كما تم تقديمه لنا. ولكن، جاء دوري للاستكشاف وصنع رأي خاص بي. قررت أن أبدأ بدراسة معمقة للثقافة العربية، ومن ثم انطلقت لاستكشاف العالم الأنكلوفوني.

 

لحظة التحول الحقيقية جاءت عندما انغمست في الفكر الأنكلوفوني. كانت هذه اللحظة بمثابة فتح أفق جديد لعقلي. الفكر الأنكلوفوني، بنهجه المختلف وأسلوبه المباشر والمفتوح على جميع الآراء، كشف لي جوانب أخرى من الفكر الإنساني. أدركت حينها أن العقل الفرنسي، على الرغم من جماله، يحتوي على تعقيد يمنعك من الخروج من إطاره الفكري بسهولة؛ هو نوع من القيود التي تجعلك تتأرجح بين الإعجاب والتقييد. في المقابل، الفكر الأنكلوفوني كان نافذة على عالم حر، عالم مليء بالإمكانيات والأفكار الجديدة التي تدعو إلى التحرر والانفتاح وتقبل الآخر. هي ليست لغة استعلاء كالفرنسية، بل لغة تقدم وتقبل الآخر.

 

ديفيد هيوم، الفيلسوف الذي أذهلني بشدة، كان سبباً في هذا التحول. لم أكن قد اختبرت من قبل هذه القوة التحليلية التي جلبتها أفكاره. هيوم، بنهجه التجريبي، فتح لعقلي آفاقاً جديدة لم أكن قد عرفتها مع الفلاسفة الفرنسيين. قدم لي منظوراً جديداً عن الطبيعة البشرية، جعلني أشعر بتحرر عقلي وكأنني أتنفس هواءً جديداً.

 

هذا التحول من الانبهار بالفكر الفرنكوفوني إلى اكتشاف الفكر الأنكلوفوني كان بمثابة رحلة تحررية. تعلمت أن العقل يمكن أن يكون مقيداً بالثقافة واللغة، وأن هناك عوالم فكرية أخرى يمكن أن تمنحنا الحرية والانفتاح. الفلسفة، بغض النظر عن منشأها، هي أداة للتحرر الفكري، تفتح لنا أبواباً جديدة وتدعونا لاستكشاف عوالم جديدة من الفكر.

 

في النهاية، تجربة الانتقال بين هذه العوالم الفكرية المختلفة جعلتني أكثر وعياً بتأثير الثقافة واللغة على تفكيرنا. إنها دعوة لكل من يبحث عن الحقيقة ألا يقتصر على مصدر واحد للمعرفة، بل أن ينفتح على التنوع الفكري والثقافي الذي يثري العقل ويوسع الأفق. الفلسفة ليست فقط أداة لفهم العالم، بل هي أيضاً وسيلة للتحرر من القيود التي تفرضها علينا الأفكار المسبقة والثقافات المغلقة. لذا، يجب علينا أن نكون مستعدين لاستكشاف وتقدير التنوع الفكري والثقافي، وأن ندرك أن هذا التنوع هو ما يعزز قدرتنا على التفكير النقدي والتواصل مع الآخرين بطريقة أكثر شمولية وانفتاحًا.

 

دمتم،

1

شارك مع الآخرين

تعليقات المستخدم2

  • skab
    شتنبر 1, 2024

    جميل استمتعت بتجربتك مع لغة اخري …

    رد

أضف تعليقاً